وعد بلفور باكورة الهيمنة في الشرق الأوسط


سامي محمد الأسطل

لم يكن وعد بلفور 2/11/1917م وعدا شخصيا من آرثر  جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت, أصدره من أجل عائلة روتشيلد الثرية اليهودية التي أقامت أكبر المستعمرات اليهودية في فلسطين ودعمت البنك المركزي البريطاني وقت الحرب العالمية الأولى 1914-1918م أكبر الحروب في ذلك الوقت فيخاطب صديقه بالقول : “عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح.

المخلص

آرثر بلفور

لقد كان وعد بلفور عنواناً لمخطط هيمنة خطير ضمن استراتيجية الحلفاء التي شكلت وجه العالم بعد الحرب العالمية الأولى حتى اليوم بعد أكثر من تسعين عاما, تضمن هذا المخطط تجزئة الوطن العربي وتقسيمه, وقد تنبه نابليون باكرا إلى ذلك حين دعا يهود العالم للحاق به مقابل إرجاعهم لفلسطين, ووضح الغرب ذلك عبر مفكريه وعلمائه في مؤتمر كامبل بانزمان 1907م حين خلص مؤتمرهم ببعض التوصيات منها إقامة دولة حاجزة بين أفريقا وآسيا تمنع التواصل الجغرافي العربي, وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918م،  ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسمياً وعلنياً سنة 1919م، وفي25 نيسان سنة 1920م وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز/ يوليو عام 1922م وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول/ سبتمبر 1923م.

إن وعد بلفور وعد غربي بامتياز فبعد أن ترنحت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتسلمت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم تبنت وعد بلفور أكثر مما تبنته بريطانيا بل وقفت عسكريا وسياسيا طيلة عقود من الصراع العربي الإسرائيلي وضمنت لإسرائيل التفوق العسكري والأمني والاقتصادي واعتبرت أمنها من أمن واشنطن.

 

الكثير من أهل فلسطين لا يعلمون حتى اللحظة الجريرة والذنب الذي ارتكبوه حتى ينالهم القتل والذبح والتكبيل والتهجير والتشريد وتشتيت العائلات ….الخ استمرت هذه السياسات الإجرامية عقوداً ونالت جميع الأجيال دون استثناء, لابد لهذه الممارسات أن تتوقف وتنتهي ولابد أن يأتي الحساب لكل المتآمرين في هذه الجريمة وليس هذا مستحيلا.

فلم يخطر ببال واحد  من بين مئات الملايين الصينيين  أن ينهار الاحتلال الياباني بل تسقط الإمبراطورية اليابانية عام 1945م وترضخ للاستسلام وشروط نهاية الحرب المذلة بل تتفوق الصين عسكريا ولن تعود عقارب الساعة للوراء حتى أن اليابان لا تستطيع اليوم قراءة تلك الحقبة السابقة وكيف يكون ذلك والصين تنافس الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم.

ومن كان يتوقع تراجع بريطانيا أو فرنسا أو الاتحاد السوفييتي الذي تصدر العالم في اختراق الفضاء ومن كان يتوقع يوما أن يسقط القذافي رحمه الله, مؤسس الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية العظمى, أو يسجى مبارك حيا خلف قضبان السجن، الذي ترأس أكبر الدول العربية أو مصير ملك الملوك شاه  شاه أو تشاوتسكو وزوجته إلينا أو بينينو موسوليني وزوجته أو هتلر الذي يدفع مواطنيه حتى هذه اللحظة تعويضات الحرب العالمية الثانية.

          سيأتي اليوم الذي يدفع فيه أرباب هذه السياسة التي مزقت شعبا بأكمله ثمن هذه السياسات الخطيرة والمؤلمة, وهذه بوادر إرادة الشعوب مشتعلة لن تطفأ أبدا ومن وضع هدفا سيبلغه رغم الوعود والمخططات والمؤتمرات.