فلسطين في الأمم المتحدة

 

بقلم سليمان الوعري

أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة التي عقدت في الجزائر عام 1988 استقلال دولة فلسطين ، إلا أنها لم تستطع الانضمام للأمم المتحدة في ذلك الحين بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية وخلافات حول كينونة منظمة التحرير الفلسطينية ووضعها القانوني، واليوم وبعد أربع وعشرون عاماً على الإعلان ، مازال الشعب الفلسطيني يناضل من أجل نيل حقوقه المشروعة وتحويل هذا الإعلان إلى واقع ملموس ، واقع  انجاز حق تقرير المصير وتجسيد الإعلان بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .

فيما تواصل الحكومة الاسرائيلية المتطرفة بقيادة نتنياهو وحليفه ليبرمان معارضتها الصارمة لحقوقنا الوطنية ، وتواصل تنكرها لعملية السلام ، وتسعى لفرض الوقائع غير القانونية على الأرض، وتوسيع الاستيطان ، وتقطيع أوصال الضفة الغربية وتقسيمها إلى كنتونات و معازل ، وتواصل تهويد القدس وغيرها من الممارسات التي تستهدف في نهاية المطاف قطع الطريق على هدف الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 .

وبالرغم من محاولات القيادة الفلسطينية المتكررة دعوة إسرائيل لتنفيذ التزاماتها القانونية والدولية، ودعوتها لطاولة المفاوضات على أسس الاتفاقات الموقعة بعد وقف الاستيطان بشكل كامل في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، الا انها استمرت استغلال مسار المفاوضات لفرض وقائع غير قانونية على الارض في ظل تقاعس دولي واضحمما حذى بالرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية البحث عن خيارات أخرى لإنقاذ مشروع حل الدولتين ولتصحيح المسار التفاوضي ولاعادة القضية الفلسطينية لوضعها الصحيح على أساس قرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي ولإنقاذ ما تبقى من الأراضي الفلسطينية من وحش التهويد الإسرائيلي ، فكان خيار الذهاب للأمم المتحدة وطلب العضوية في 23 / 9 /2011 ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على إجهاض مشروع هذا القرار بالضغط المباشر على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وتهديدها باستخدام حق النقض الفيتو ، ولم تستطع السلطة الوطنية الفلسطينية اجتياز نسبة الحسم لإقرار الطلب بتسعة أصوات.

 

واليوم وبعد مرور أكثر من عام على تقديم هذا الطلب ، واستمرار إسرائيل بإدارة الظهر للجانب الفلسطيني والعالم اجمع والاستمرار في مخالفاتها لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة ، فقد رأى الجانب الفلسطيني الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب دولة غير عضو بصفة مراقب في هذا المحفل الدولي الهام في خطوة استراتيجية لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية ولنصبح (دولة تحت الاحتلال) وليس سلطة تحت الاحتلال لها أراضي متنازع عليها ، فهذا الواقع القانوني الجديد بعد الحصول على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة يعطينا الحق في الحفاظ والاعتراف بأراضينا دون انتقاص على حدود الرابع من حزيران 1967 .

ويتضمن مشروع القرار المقدم للأمم المتحدة البنود الآتية :

1- رفع مستوى تمثيل فلسطين.

2- الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .

3- القرار لا يجحف بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .

4- مشرع القرار يثبت كافة القرارات الخاصة بفلسطين في الأمم المتحدة وخاصة القرار 194 الخاص بحق العودة .

5- يؤكد مشروع القرار على مرجعيات عملية السلام بما فيها مبادرة السلام العربية والعودة إلى المفاوضات .

ويحتاج مشروع القرار لإقراره الى النصف + 1 ، لكن منظمة التحرير والسلطة الوطنية تسعى لحصد أكبر عدد من أصوات الدول لاعتبار القرار انجاز سياسي حقيقي يليق بتضحيات الشعب الفلسطيني و يجسد الدولة الفلسطينية بأكبر عدد من الدول التي تعترف بها، وليس مجرد قرار أممي عادي.

 ان الفرق بين صفة العضو والمراقب في الأمم المتحدة أن العضو يدعى إلى كافة الاجتماعات ويقدم الاقتراحات ويناقش ويستطيع التصويت ، أما الدولة المراقبة فتمتلك ذات الحقوق دون امتلاك حق التصويت ، حيث سيتم للمرة الأولى تحويل فلسطين من كيان مراقب إلى دولة فلسطين المراقب في الأمم المتحدة ، وهذا أمر مهم جداً حيث  ان هذا القرار الدولي يعطينا الاهلية بالانضمام لاكثر من 18 منظمة وهيئة دولية ، وخصوصاً محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بعد استيفاء شروط العضوية لكل منظمة على حده ، ويحكم عمل محكمة الجنايات الدولية ( نظام روما ) الذي ينص في حال قيام دولة الاحتلال بنقل جزء من سكانها الى الأراضي التي تحتلها تعتبر جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي وهذا الأمر ينطبق على الاستيطان على أرض دولة فلسطين المحتلة .

ولا يفوتنا بأن هذا القرار في يوم  29 تشرين الثاني / نوفمبر و هو اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977 ، وفي ذلك اليوم من العام 1947 اعتمدت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي يدعو الى قيام دولتين يهودية وفلسطينية على ارض فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني ، وقد أقيمت دولة إسرائيل بناءً على هذا القرار ، واعترفت بها العديد من دول العالم ، ولكن الدولة الفلسطينية لم ترى النور حتى اللحظة نتيجة الإجحاف التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة عدم تطبيق القرار بالكامل، والمطلوب الآن هو تفعيل دور الأمم المتحدة ورسالتها الأساسية في صنع السلام المبني على المبادئ التي قامت من أجلها ، وعلى جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة  وبريطانيا دعم التوجه الفلسطيني لطلب العضوية في الأمم المتحدة لإعادة الحق لأصحابه بسبب الظلم التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بإصدار وعد بلفور القاضي بإقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين  .

وتأتي هذه الخطوة الفلسطينية اليوم بعد تعاظم التاييد الدولي لحقنا في اقامة الدولة المستقلة ، وإضافه تراكمية واستراتيجية هامة لمجمل قرارات الامم المتحدة السابقة التي تخص القضية الفلسطينية ، حيث سيتم التعامل معها ( كدولة ) في نظام الامم المتحدة وأمام المجتمع الدولي ، وأنها ستعزز العمل الفلسطيني نحو انهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال .

وتخشى إسرائيل من هذا القرار وكما ورد على لسان أحد وزرائها ان ذهاب السلطة الوطنية للأمم المتحدة يوازي إطلاق الصورايخ من غزة ، وقد عملت إسرائيل جاهدة مع الولايات المتحدة على إفشال هذه الخطوة وتحريض العالم على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير على اعتبار ان طاولة المفاوضات هي الحل الوحيد للصراع ،  وان السلطة الوطنية تسعى لسحب الشرعية عن إسرائيل ، الا ان الجهود الفلسطينية نجحت في تجاوز هذه الافتراءات الإسرائيلية ، ورفضت الضغوط الأمريكية والأوروبية لعدم التوجه للأمم المتحدة أو تأجيل القرار .

ومن المتوقع ان ترد إسرائيل بعنف على هذه الخطوة ، وأن إسرائيل لن تمرر قرار السلطة بالتوجه للأمم المتحدة بدون عقاب ، وانها لربما ستقوم بتجميد الأموال التي تحولها للسلطة ، وتنفيذ جزء من توصيات القاضي ادموند ليفي الخاص بالبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية ، وضم المستوطنات ، وان هذه الخطوات ستنفذ حال قيام السلطة الفلسطينية بتقديم شكاوي لمحكمة الجنايات الدولية .