“طول فصل الشتاء لم أرتح يومًا من الذهاب إلى عيادة الوكالة، طلبًا لعلاج الرشح والانفلونزا لابني الصغيرين، بيتنا من الأسبست وفي موجة البرد الشديدة التي مرت، غرق البيت مرات، ولولا مساعدة الجيران لكان حالنا أسوأ مما يمكن أن يتخيله إنسان”.
بعينين ملؤهما البؤس والسخط، قالت أم محمد (40 عامًا) من مخيم خانيونس كلماتها تلك، عن حالها وحال أطفالها في فصل الشتاء الماضي، مضيفةً:” عندما أذهب إلى العيادة أحتاج إلى يوم كامل أقضيه هناك انتظارا لفرصتي في الدخول إلى الطبيب، إذا ذهبت بطفلي مصابًا بالرشح، رجعت به مصابًا بأمراض أسوأ، فالازدحام في طابور الانتظار مؤذي جدًا”.
أم محمد التي تبدو مستاءةً للغاية من عدم وجود بعض الأدوية في صيدلية المركز الصحي التابع لوكالة الغوث في بعض الأحيان، تشير إلى عدم مقدرتها المالية على شراء الأدوية اللازمة لها ولأطفالها من الصيدلية الخارجية خاصةً في ظل تأخر راتب زوجها، وكثرة الالتزامات الحياتية، منوهةً إلى تراجع الخدمات والفحوصات الطبية للأطفال في مدارس الأونروا الابتدائية والإعدادية.
فحوصات خارجية
في سياق متصل التقطت آية (26 عامًا) من مخيم رفح جنوب قطاع غزة أنفاسها المتسارعة، لتوضح أنها لا تثق مطلقًا بنتيجة أي تحليل تجريه في عيادة الوكالة، وروت ما حدث لابنها عبد الحميد مؤخرا:” كنت أجري تحليل دم بشكل مستمر لابني، وكانت الممرضة تخبرني أنه بخير، ولا داعي للقلق، لم تلفت انتباهي مطلقًا لضرورة إجراء فحوصات خارجية، خاصةً أن مستوى الهيموجلوبين كان ينخفض عنده بشكل فجائي في كثير من الأحيان”.
وتواصل:” بعد أشهر من مداومتي على إجراء التحاليل، وبينما كنت أنجز بعض الأعمال في البيت أغمي على ابني، فحملته إلى المستشفى، أجروا له التحاليل، بعد ساعات قليلة توفي، وتبين لي بعد ذك أنه مصاب بسرطان الدم”.
آية تتهم الطبيب المتابع لحالة ابنها، والممرضة في العيادة بالتقصير الشديد، لافتةً إلى أن كثيرات من السيدات اللواتي تعرفهن لا يثقن مطلقًا بنتائج التحاليل التي يجرينها في المراكز الصحية التابعة لوكالة الغوث.
سوء الأسلوب
فلسطين (28 عامًا) من مخيم الشاطئ بمدينة غزة، تتحدث هي الأخرى عن الوقت الكثير الذي تستغرقه ويعيقها عن عملها عند الذهاب لفحص طفلها الصغير، أو مراجعة الطبيب لحالتها الصحية.
وبانفعال تؤكد فلسطين على سوء الأسلوب الذي يستخدمه الأطباء في العيادة مع السيدات، مبينةً:” يصرخوا في وجوهنا، إذا كانت السيدة قصرت في شيء ما يتحدث الطبيب إليها بطريقة لا تليق بإنسان محترم، مسئول عن صحة الناس، نحن لسنا عبيد لأحد، هذا واجبه ويجب أن يقوم به بكل تفاني”.
من وجهة نظرها، تعتقد فلسطين أن الوضع البيئي غير السليم في المخيمات الفلسطينية، بدءًا بظروف البيوت من سوء التهوية، وغياب المرافق الصحية السليمة، وانتهاءً ببرك المياه والمجاري والقمامة الملقاة في الشوارع، هو السبب في إيجاد وضع صحي غير سليم.
مختبرات وأجهزة حديثة
في تقرير بعنوان “مخيمات لاجئي غزة.. حين تنهار مكوّنات الحياة كافة!” نشرته مجلة العودة، العدد التاسع والأربعون، أشار الكاتب إلى أهم المشاكل التي يعانيها سكان المخيمات صحياً، ومنها: الاكتظاظ بالمراجعين من سكان المخيم وخارجه، وتقليص الوكالة لعدد الحالات التي تُحَوَّل إلى المستشفيات الحكومية، وقلة عدد العيادات قياساً مع عدد السكان، والنقص المستمر في الدواء، وانتشار وظهور العديد من الأمراض الصحية المختلفة، وعدم وجود مختبرات وأجهزة حديثة، وعدم كفاءة المؤسسات الصحية القائمة، وعدم الفحص بفاعلية بسبب الأعداد المتزايدة من المرضى المراجعين.
وذكر التقرير أن الأوضاع “تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة إلى جانب
الحالة العامة للمخيمات الفلسطينية، حيث الأزقة الضيقة والمياه العادمة التي تمرّ بين الطرقات ويعبث بها الأطفال”.
كما كشف التقرير عن تراجع وتقليص خدمات الأونروا التي تخصص 18% من ميزانيتها للبرنامج الصحي كثاني أكبر برنامج بعد برنامج التعليم، وتمتلك شبكة تضم أكثر من 18 مركزاً أو عيادة صحية، توفر الرعاية الطبية، وخاصة في ما يتعلق برعاية الأم والطفل.