طفلان على الحائط !!

تركت تهاني “أم رضوان” كل شيء وراءها وخرجت مع زوجها وأولادها السبعة هاربة إلى بيت أقاربها البعيد نسبيًا عن حي الزيتون المجتاح بريًا في حرب عام 2008 على قطاع غزة، حاولت أن تؤقلم الأولاد المعتادين على نمط الحياة الريفية الرحبة على العيش في بيتٍ صغير؛ واستعدت بكل طاقتها إلى الاندماج في أعمال المنزل التي حلت عليه وأولادها ضيوفًا.

أيقظت تهاني زوجها محمد وابنيها رضوان (12 عامًا) وعبد الرحمن (11 عامًا) ليصلوا الفجر جماعة؛ ففعلوا وجلسوا سويًا يتناولون طعام إفطارهم؛ فاجأ رضوان وعبد الرحمن والديهما قائلين:” مر يومين على خروجنا من البيت، ومن المؤكد أن علف الأغنام الذي وضعناه لها قد نفذ، نريد أن نعود لنطعمهما”، رفض الأبوان محتجين بخطورة الوضع في حي الزيتون وطلبا من الأولاد الالتزام باللعب في ساحة البيت، استفز الرفض الطفلين، فتركا فطورهما خارجين يتمتما:” أن نموت من اليهود أفضل من أن تموت أغنامنا من الجوع”.

قامت تهاني إلى المطبخ تعاون النساء، وظل محمد جالسًا إلى جانب مذياعه الصغير يتابع الأخبار، بينما كان الصغار يلعبون سويًا.. استمر الأمر كذلك لساعتين، تسلل بعدهما محمد ورضوان إلى الشارع وركضا إلى بيتهما، انتبه حسن أخوهما إلى غيابهما، أخبر أباه وأمه، فتشوا عنهما فلم يجدوهما، عرفوا أن الصغار توجهوا إلى حي الزيتون، لحقوا بهم، وعند مدخل الحي طلب محمد من تهاني الراجفة أن تنتظره ريثما يفتش عنهم ويعود، تقدم الأب مخاطرًا عله يلمح حيًا يتحرك فيكون ابنيه أو أحدًا رآهما.

يجتاز الأب الشارع الأول، يستدير ليدخل إلى الثاني، تفزعه جثتان ممددتان وملتصقتان في ألواح الصبر المليئة بالأشواك، يدقق النظر، إنهما صغيراه اللذان قدرا حياة الحيوانات فلم يقدر أحد حياتهما.

يقترب الأب، ينتزع فتات جسديهما، يحملهما لأمهما التي تنتظرهما بدموعها، تراهما من بعيد، تهرع إليهما، ترتمي فوق جثتيهما، تقبل كل شيء حتى أحذيتهما، تركض وأبوهما بجثتيهما إلى المستشفى، ثم للبيت ليودعهما إخوتهما، يحمل المشيعون الجثث إلى المقبرة، تضرب تهاني رأسها بالحائط، تبكي وتصرخ وتظل عند أقاربها حتى ينسحب الاحتلال فتعود لبيتها، تفتح غرفة الطفلين، تحضن ملابسهما وحقائبهما، تدخل حظيرة الأغنام، تخبرها بأن من أحبوها واهتموا بها دائمًا.. استشهدوا .

تنتهي الحرب، ويعود الصغار لمدارسهم في غزة، تخرج تهاني إلى الشارع لتراقبهم، تتذكر من كانت تناولهما مصروفهما وحقائبهما فيقولا لها: “يلا سلام يا ماما”، وتسألها الصغيرة إسلام عن أخويها اللذين عوداها على اللعب معها بعد المدرسة فلا تجد ردًا غير أن تطلب منها الاكتفاء برؤية صورتيهما على الحائط.