دور المرأة الفلسطينية في حماية وتحصين حق العودة

دور المرأة الفلسطينية في حماية وتحصين حق العودة

محمد يوسف أبو ليلا
خاص- ثابت

لطالما قال البعض أن المرأة الفلسطينية هي الحلقة الأضعف، وهي المستضعفة التي لا تستطيع أن تقدم شيئاً أو تؤخره للقضية الفلسطينية. وقد ذهب البعض للقول بأن مجرد الحديث وكتابة بعض من السطور المتواضعة عن المرأة الفلسطينية ما هي إلا مضيعة للوقت.

ولكن واقع الحال هو عكس ذلك تماماً، لأن المرأة الفلسطينية هي أم اللاجئين الذين هُجِروا من أرضهم، وتضحياتها لا تقل أبداً عما قدمه ويقدمه الرجل الفلسطيني في سبيل حقوقه المشروعة، فهي أم المعاناة التي عاناها الشعب الفلسطيني من القهر والتعذيب والإجرام بسبب أفعال العصابات الصهيونية المجرمة إبان نكبة فلسطين عام 1948 والنكسة عام 1967، هذه الأم هي نفسها التي شهدت مجزرة صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر التي سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى والثكلى والأرامل من النساء. أضف إلى ذلك، معاناة اللجوء والهجرات المتكررة التي مرت بها المرأة الفلسطينية على مدى عشرات السنين حيث ما تلبث أن تستقر مع عائلتها في مخيم أو تجمع أو منطقة لتنتقل بعد ذلك مجبرة إلى أماكن أخرى إما سعياً لتحسين ظروف اجتماعية أو اقتصادية أو بحثاً عن الأمان بسبب الحروب والاجتياحات والأوضاع الأمنية السيئة والصعبة.

أما عن دورها في إبقاء شعلة قضية اللاجئين وحق العودة متقدمة في نفوس الأجيال فحدث ولا حرج فالمسألة تبدأ مع الرضاعة وهدهدة الطفل لينام، فقرى فلسطين وعادات وتقاليد فلسطين والحياة اليومية في فلسطين حملتها الأم الفلسطينية بأمانة لتوصلها إلى الأجيال الواعدة في المستقبل فكانت نعم المربي على مدى أكثر من 6 عقود، فقد كانت ولا زالت الرائدة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، ولا عجب من سؤالك لأحد الأطفال في المخيم عن بلده لينطلق لسانه وبشكل تلقائي إلى فلسطين وقريته في فلسطين.

وجاء الامتحان ربما الأقسى والاستفتاء الصعب مع مسيرة العودة إلى مارون الراس مع فلسطين المحتلة في الخامس عشر من شهر أيار من العام 2011، فوقود العودة كانت دماء الشباب، الشباب الذين لم يولدوا في فلسطين ولم يشاهدوا فلسطين. الأم تدفع بأبنائها، فلذات أكبادها لتوصيل الرسالة إلى العالم، بأن هذه هي ثمرة تربيتنا لأبنائنا وتوعيتنا لأجيالنا، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، ومطلبنا فلسطين كل فلسطين من بحرها إلى نهرها ولا حاجة لأن نقول بألسنتنا بأننا نرفض التوطين فقد قالها أبناؤنا بالنيابة عنا.

عدا مراحل التربية والتضحية فقد مرت المرأة الفلسطينية بظروف شكلت علامات فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية عموماً وقضية اللاجئين وحق العودة على وجه الخصوص، فهي الشهيدة والاستشهادية والأسيرة والجريحة والأرملة والثكلى، وهي الأديبة والمفكرة والشاعرة والمثقفة والسياسية والمحامية… التي استطاعت عن جدارة أن تكون نصف المجتمع وأن تربي النصف الآخر فهي الحاضرة في كل مراحل وأشكال النضال الفلسطيني إلى جانب الرجل من البندقية المقاومة إلى الحجر المقاوم، وفي الداخل والخارج ومن يراجع مراحل النكبة أسباب انتفاضة يوم الأرض في 30 آذار 1976 ، يدرك تماما كيف أن النساء قبل الرجال كانت من تصدى لهجمات الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته الفاشلة في السيطرة على الأرض وطرد السكان فقد تعلمت المرأة الفلسطينية أبلغ درس خلال مرحلة النكبة وفهمت المشروع الصهيوني وحاربته بأظافرها وربت أبناءها جيل المستقبل على أن لا قيمة للأرض بدون الإنسان الفلسطيني. ومن الأمثلة الحية وعلى سبيل المثال لا الحصر نتوقف عند نموذجين على أهمية النماذج الأخرى فالمناضلة دلال المغربي تلك الفتاة الفلسطينية اللاجئة في لبنان الساكنة بمخيم صبرا في بيروت شاركت في عملية عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية عام 1978 حيث قامت باختطاف باص متوجهاً من حيفا إلى تل الربيع وقد استشهدت في تلك العملية إلا أنها أقامت الدولة الفلسطينية الأولى فوق أرض فلسطين المحتلة عام 48 من خلال رفعها للعلم الفلسطيني على الباص المخطوف، والنموذج الآخر المجاهدة أحلام التميمي اللاجئة الفلسطينية في الأردن، فكانت أول امراة تلتحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام بعد عودتها إلى الأراضي الفلسطينية، وقد أسرت في العام 2001 بسبب مشاركتها في عملية القدس البطولية وحكم عليها 16 مؤبداً، وتم إطلاق سراحها أواخر2011 بعد عميلة التبادل بين حركة حماس والكيان الصهيوني.

شكلت المرأة الفلسطينية نواة صلبة للتمسك بقضية اللاجئين وحق العودة رغم مرور حوالي 64 سنة على النكبة وستبقى تاريخاً يُقرأ في العالم وللعالم، فصبرت وصمدت وتفاعلت رغم الآلام وسجلت بدمائها وفكرها ووجدانها أفعالاً سيشهد لها التاريخ في مراحله ومن مر فيه من القاصي والداني.