الكهرباء ومياه الصرف.. تتآمران على المواطنين والأونروا مقصرة!

الكهرباء ومياه الصرف.. تتآمران على المواطنين والأونروا مقصرة!

ما زالت قرية أم النصر ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حاضرةً في الذاكرة، بحكايتها الشهيرة مع مياه الصرف الصحي التي فاضت وأغرقتها قبل سبع سنوات، فسرقت خمسة من أرواح أبنائها، وأصابت عشرين آخرين بإصابات بليغة، ناهيك عن عشرات المنازل والممتلكات التي دمرت.

وليست حكاية أم النصر هذه إلا جزءًا من أزمة الصرف الصحي المتغلغلة في قطاع غزة على مر السنوات الطوال السابقة، وحتى اللحظة، بعشمٍ في حلول ووعود تزف إلى آذان الناس، ذاتها التي تسمع التحذيرات من كارثة بيئية وشيكة حال استمر توقف محطات الصرف عن العمل في ظل تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، بل إن العيون لم تزل تلاحظ سيول من المياه تسري في الشوارع كلما أمطرت السماء، كان آخرها ما أغرق مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة على مرأى ومسمع من الجميع الذين لم يحركوا ساكنًا.

قدرة محطات المعالجة

المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل المهندس منذر شبلاق قال:” قطاع غزة من أكثر مناطق العالم التي تتأثر فيها مياه الخزان الجوفي سلبًا بمياه الصرف الصحي”، مضيفًا:” 80 بالمائة من السكان مخدومون بشبكات صرف، لكن المشكلة الأكبر تكمن في ضعف قدرة محطات معالجة المياه التي أنشئت فترة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، والتي لا تستوعب أكثر من 60 ألف متر مكعب في حين إنتاج السكان يصل إلى 140 ألف متر مكعب، وعليه تضخ المياه المعالجة أو شبه المعالجة إلى البحر”.

وكشف شبلاق عن مجهودات كثيرة تبذل وعمل دؤوب حثيث مع الممولين لإحداث تغيرات في المستقبل القريب، مشيرًا إلى وجود عدة مشاريع بناء محطات معالجة مركزية يجري العمل عليها،

في مقدمتها مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في شمال قطاع غزة، الذي تم الانتهاء من العمل عليه مؤخرا على أن يكون بديلا عن محطة الصرف الصحي في بيت لا هيا والتي كانت سببًا في مأساة قرية أم النصر، وتلويث الخزان الجوفي.

ويتوقع أن تتمكن هذه المحطة من خدمة السكان خدمة تامة حتى العام 2035، جنبًا إلى جنب مع مشروع إعادة ترشيح وتخزين مياه الصرف -لاستخدامها في ري خمسين ألف دونم- الذي بدأ العمل عليه مؤخرًا.

تلوث مياه البحر

في ذات السياق تحدث شبلاق عن مشروع غزة المركزي للصرف الصحي -قيمته 70 مليون يورو- الذي جمد العمل عليه لسنوات طويلة بسبب الحصار وتراجع الممولين، مبينًا أن الحكومة الألمانية ستموله، وستطرح مناقصاته بداية العام 2014، على أن تُنشأ محطة المعالجة شرق مخيم البريج، وتخدم محافظة غزة، والمحافظة الوسطى، وبالتالي تلعب الدور المنوط بها في الحد من تلوث مياه البحر، ورفع منسوب المياه الجوفية.

أما المشروع الثالث بين هذه المشاريع التي عدها شبلاق “مشاريع استراتيجية” فهو مشروع إنشاء محطة المعالجة في محافظة خانيونس، بقيمة 56 مليون دولار، وتموله الحكومة اليابانية والبنك الإسلامي للتنمية، وقد وقعت اتفاقية العمل عليه مصلحة المياه وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

القطاع يمر بأزمة

وفي الوقت الذي اعتبر فيه شبلاق تعطيل العمل على المشاريع التي تخدم قطاع المياه والصرف الصحي في القطاع، في ظل انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود الحاد، إراقة للجهود، أرجع نائب مدير قسم المياه والبيئة بوزارة الحكم المحلي في حكومة غزة المهندس طارق أمن غرق بعض الأحياء بمياه الصرف إلى صعوبة تشغيل محطات الضخ في المناطق المنخفضة.

وأوضح أمن:” إن لم تعمل هذه المحطات لمدة ثمان ساعات على الأقل، تتراكم المياه في الخطوط الناقلة حتى تصل إلى نقاط الانفجار وهي المناهل المنتشرة في الشوارع”، مواصلا:”

لجأنا من قبل لتشغيل المولدات، لكن نقص الوقود أفقدنا القدرة على ذلك، إن القطاع يمر بأزمة كبيرة نتيجة الإغلاق المفروض”.”.

نسبة النترات

أمن نوه إلى ضخ 50 بالمائة من المياه العادمة، يوميًا، إلى البحر دون معالجة، علمًا بأن البقية لا تعالج بشكل كامل نتيجة عدم القدرة على تشغيل جميع مكونات المحطات- التي تحتاج شهريا 380000 لتر من الوقود- ما يعني “كارثة بيئية” بكل معنى الكلمة.

وقال:” حسب منظمة الصحة العالمية لا يجب أن تزيد نسبة النترات في المياه الجوفية عن 50 ملجم في اللتر، لكن النسب في غزة تخطت كل الخطوط الحمراء إذ وصلت لـ 150-200 جرام في اللتر، وهذا يؤثر على صحة المواطنين بالذات الأطفال منهم”.

وحسب أمن، يوجد في القطاع 42 محطة تضخ المياه العادمة، منها محطة ضخ مخيم النصيرات المركزية التي دمرها الاحتلال فور إنشائها عام 2014، والتي شرعت بلدية النصيرات ومصلحة مياه بلديات الساحل بإعادة بنائها بتكلفة قدرها 543 ألف دولار.

استخدام الحفر الامتصاصية

ويبدو الحال في مخيم جباليا أفضل مما هو عليه في مناطق أخرى ها هو يوسف النزلة مدير بلدية جباليا يؤكد على استتاب الأمور في نفوذ بلديته، مع عدم خلوها من حدوث بعض الأعطال الطارئة التي تتعامل الطواقم معها بشكل فوري لضمان مصلحة المواطنين.

وتقدم بلدية جباليا خدمة تصريف مياه الصرف الصحي لحوالي 220000 نسمة، حيث تجمع المياه في المحطات الرئيسية وعددها 8 محطات، بالإضافة إلى مضخات فرعية للتصريف في المناطق المنخفضة جغرافياً وعددها 12 مضخة، مهمتها جميعا الضخ إلى أحواض التجميع الشمالية.

ولم ينكر النزلة حدوث طفح في بعض مضخات الصرف الصحي الفرعية التي لا يوجد بها مولدات كهرباء، ما اضطر الطواقم لاستخدام آليات الكسح والشفط التي يعد العمل بها بحسب النزلة “غاية في الإرهاق”.

يذكر أن معدل الاستهلاك اليومي للمحطات الرئيسية في جباليا يصل إلى 1000 لتر من الوقود.

النزلة اعتبر ضعف التمويل أكبر العوائق التي تحول دون البدء ببناء شبكات جديدة وإجراء أعمال الصيانة، منوهًا لما يترتب على فيضان “المجاري” من تشويه للمنظر العام، وانتشار الروائح الكريهة، وتجمع البرك العشوائية، وانتشار البعوض.

ويضطر المواطنون في بعض المناطق غير المخدومة بشبكات الصرف الصحي في نفوذ بلدية جباليا لاستخدام الحفر الامتصاصية ما يؤثر سلباً على المياه الجوفية ويزيد من نسبة النترات فيها”.

الأونروا مقصرة

وقال النزلة في معرض اتهامه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بالتقصير:” يوجد في نفوذ بلدية جباليا مخيم واحد للاجئين ويعتبر من أكبر مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات ويوجد في وسط المخيم محطة أبو راشد لتصريف مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، ويقتصر دور الوكالة في هذا الجانب على توفير جزء من الوقود اللازم لتشغيل المحطة أثناء موسم الشتاء فقط، وهو دور أقل من المطلوب خاصة أن المحطة تخدم بشكل رئيسي مواطني المخيم من اللاجئين”.

وطالب النزلة بضرورة توفير الوقود اللازم لقطاع غزة، من أجل الحيلولة دون وقوع الكوارث البيئية والإنسانية، مع رفع الحصار وتوفير المواد اللازمة لإطلاق المشاريع الجديدة وإجراء أعمال الصيانة والتطوير.

بين هذا وذلك لم يزل المواطن في غزة غير قادر على تخيل الجهات المسئولة وقد توصلت إلى حل لأزمة الصرف الصحي، ولا أزمة الكهرباء، التي أحالت حياته إلى جحيم، حتى غرق في “المجاري” دون أن ينطق بكلمة تذمر واحدة على أعين الأشهاد!.