نتيجة لتدهور الأوضاع في فلسطين وخروج أعداد كبيرة من الفلسطينيين طلبا للامان في الدول والمناطق المجاورة، وبعد أن عجزت الأمم المتحدة عن أن تتحمل التزاماتها الدولية بتأمين حقوق الشعب الفلسطيني. دعا مجلس الأمن إلى عقد دورة استثنائية أخرى للجمعية العامة، في القرار رقم (44) في 1 نيسان/ ابريل 1948، والتي التأمت في الفترة الممتدة من 16 نيسان/ ابريل إلى 14 أيار/ مايو 1948، وفي نهاية الدورة صدر القرار رقم (186) في 14 مايو/ أيار 1948، ونص على استحداث منصب وسيط الأمم المتحدة إلى فلسطين، تتمثل مهامه في استعمال مساعيه الحميدة لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، في سبيل: تأمين القيام بالخدمات العامة الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم، وتأمين حماية الأماكن المقدسة، والمباني، والمواقع الدينية في فلسطين، وإيجاد تسوية سلمية للوضع المستقبلي في فلسطين.
وبعد ستة أيام (خريف 1948)، جرى تعيين الكونت “فولك برنادوت” رئيس الصليب الأحمر السويدي، في منصب وسيط الأمم المتحدة. وعملت اللجنة برئاسة “برنادوت” بعد وصولها إلى فلسطين على دراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية فيها، وأصدرت تقريرها وقدمته إلى الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن دور الوسيط كان في المقام الأول التوسط بين الفرقاء والتوصل إلى عقد هدنة، إلا انه تعامل أيضا مع قضية اللاجئين وجهود الإغاثة.
في مجال قضية اللاجئين، بعد أن استمع برنادوت في ربيع عام 1948 إلى مطالب اللاجئين في مختلف أماكن إقامتهم بالعودة إلى منازلهم وقراهم، وشاهد ظروفهم وأوضاعهم المأساوية. طالب الحكومة الإسرائيلية آنذاك مقترحا تسوية للقضية الفلسطينية والصراع القائم على أساس أن “ينشأ في فلسطين بحدودها التي كانت قائمة أيام الانتداب البريطاني الأصلي في عام 1922 أي بما فيها شرق الأردن اتحاد من عضوين احدهما عربي والآخر يهودي وذلك بعد موافقة الطرفين اللذين يعنيهما الأمر. كما دعا إلى عودة اللاجئين الذين غادروا بسبب الظروف المترتبة على الصراع القائم إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم.
ثم أرسل الوسيط الدولي “برنادوت” تقريرا أخر إلى مجلس الأمن في 1 آب/ أغسطس 1948، دعا فيه إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها. إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت تقرير الكونت برنادوت، وأرسل موسى شرتوك وزير خارجية حكومة إسرائيل المؤقتة، رسالة إلى وسيط الأمم المتحدة برفض مقترحاته المتعلقة بعودة اللاجئين.
كان إيمان “برنادوت” بحق اللاجئين في العودة، إيمانا راسخا، فلم يكثرث لرسالة “موسى شرتوك” بل واصل نداءاته الداعية إلى عودتهم لديارهم التي طردوا منها دون قيد أو شرط، تلافيا لكارثة إنسانية كانت ملامحها تلوح في الأفق مع انعدام المساعدات الإنسانية ومع اقتراب فصل الشتاء، لذلك أرسل من باريس تقريرا بتاريخ 16 أيلول/ سبتمبر 1948، دعا فيه الأمين العام للأمم المتحدة إلى العمل بأسرع ما يمكن من أجل عودة اللاجئين، وأكد في تقريره بان عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم ويهجروا ممتلكاتهم طوعا أو اختيارا، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التي قامت بها المنظمات الصهيونية المسلحة ضد العرب الآمنين، وانتهى في تقريره إلى أن قضية فلسطين لا يمكن حلها إلا إذا أتيح للاجئين العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
ونتيجة لجهود “الكونت برنادوت” في الدفاع عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، أن قامت “منظمة شتيرن” إحدى المنظمات الصهيونية المسلحة باغتياله ومساعده الفرنسي “اندريه سيو” في 17 أيلول/ سبتمبر 1948، أي بعد يوم واحد من رفعه تقريره الأخير، على حاجز في مدينة القدس بينما كان يقوم بواجبه في فلسطين المحتلة.
القرار رقم 186 (الدورة الاستثنائية 2): تعيين وسيط دولي
14/5/1948
إن الجمعية العامة،
وقد أخذت بعين الاعتبار الموقف الحاضر المتعلق بفلسطين،
(أولا)
تؤكد بشدة تأييدها لجهود مجلس الأمن في إحلال هدنة في فلسطين، وتدعو جميع الحكومات والمنظمات والأشخاص إلى التعاون على تنفيذ مثل هذه الهدنة.
(ثانيا)
1- تفوض وسيطا تابعا للأمم المتحدة في فلسطين، تختاره لجنة من الجمعية العامة مؤلفة من ممثلي الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، سلطة القيام بالمهمات التالية:
(أ)- استعمال مساعيه الحميدة لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، في سبيل:
1- تأمين القيام بالخدمات العامة الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم.
2- تأمين حماية الأماكن المقدسة، والمباني، والمواقع الدينية في فلسطين.
3- إيجاد تسوية سلمية لوضع المستقبل في فلسطين.
(ب)- التعاون مع لجنة الهدنة في فلسطين التي عينها مجلس الأمن في قراره (رقم 48) الصادر في 23 نيسان/ ابريل 1948.
(ج)- أن يطلب، إن رأى ذلك مستحسنا، المساعدة والتعاون من هيئات الأمم المتحدة الخاصة والملائمة، كمنظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر الدولي، وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الصفة الإنسانية وغير السياسية، وذلك من أجل العمل بإطراد لضمان رفاه سكان فلسطين.
2- تصدر تعليماتها إلى وسيط الأمم المتحدة أن يرفع تقارير شهرية عن تقدم مهمته، أو كلما رأى ذلك ضروريا، إلى مجلس الأمن والأمين العام، لرفعها إلى أعضاء الأمم المتحدة.
3- تطلب من وسيط الأمم المتحدة التقيد في أعماله بأحكام هذا القرار، وبالتعليمات التي قد تصدرها الجمعية العامة أو مجلس الأمن.
4- تفوض الأمين العام دفع راتب إلى وسيط الأمم المتحدة، مساو لذلك الذي يدفع إلى رئيس محكمة العدل الدولية، وتزويد الوسيط بالموظفين اللازمين للمساعدة في القيام بالمهمات التي عينتها له الجمعية العامة.
(ثالثا)
تعفى لجنة فلسطين من الاستمرار في ممارسة المسؤوليات الواردة في القرار 181 (الدورة 2) الصادر في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947.
تبنت الجمعية العامة هذا القرار، في جلستها العامة رقم (135)، كالتالي: مع القرار (31)، ضد القرار (7)، وامتناع (16).