لها من اسمها نصيب.. نور الأمل.. كفيفة تعزف وتغني وتعلم الموسيقى !

لها من اسمها نصيب..  نور الأمل.. كفيفة تعزف وتغني وتعلم الموسيقى !

ولدت قبل أربعين عاما، بكامل قواها، وصحتها وسلامتها، أدخلت الفرح والسرور على قلوب أهلها، وبعد مضي سبعة أشهر، أصيبت برمد في عينيها، أثر على إبصارها، فلم يبق بينها وبين النور إلا اسمها.

نور الأمل بارود، الموسيقية الأربعينية الفاقدة لنعمة البصر، كما عرفت في قطاع غزة منذ سنوات، ولدت في مخيم رفح جنوب قطاع غزة، وعاشت هناك، حتى تسنى لها السفر إلى الضفة الغربية للانتساب لدار الطفل حيث اكتشف الأجانب موهبتها، فأهدوها أول آلة موسيقية في رأس السنة “الكريسميس”.

عزفت نور آنذاك أمامهم فأعجب الجميع بها، وشجعوها على الاستمرار قدما، وتطوير موهبتها، لكن.. مرة أخرى يشاء لها القدر ما لم تتمنى؛ فقد رجعت إلى قطاع غزة حيث لا مكان تنتسب إليه ويهتم بموهبتها.

نور الأمل أنهت دراستها الثانوية بامتياز رغم معاناتها البصرية، ولم تكمل دراستها الجامعية بسبب الوضع المالي الصعب لأسرتها، ما لم يحل بينها وبين التعلم من تجارب حياتها، حتى أتيحت الفرصة للحصول على شهادة دبلوم “تريكو” على مختلف أنواعه يدوي وآلي، وصارت تصمم وتخيط الجاكيتات والبناطيل للكبار والصغار، للرجال والنساء بكل أنواع الصوف.

بعد عودة نور لقطاع غزة تتلمذت على يد الفنان إياد القصبغلي، فعلمها العزف على العود من الأساس ومن السلم الموسيقي، ورغم مهارتها وسرعة تعلمها إلا أنه نصحها بتجريب الطبلة وإتقانها، لكنها كانت أحبت العود حبًا أولاً، والحب الأول كما تقول له في القلب مكانة كبيرة.

كانت نور وما زالت تعزف أي نوتة أو مقطوعة موسيقية جديدة بإتقان لمجرد سماعها بسبب قدرتها الكبيرة على الحفظ والاستيعاب، كما كانت تحدد النوتة عن طريق آلة “ماوث أورجان” وهي عبارة عن آلة هرمونيكا تعزف عليها بالفم.

ولم تستمر نور بالتعلم من القصبغلي بسبب سفر جديد إلى الضفة الغربية، ووجود وعودات بتوفير فرصة عمل لها هناك، رأت فيها سبيلاً لإثبات ذاتها وخوض تحدي جديد في الحياة، إلا أنها لم توفق من جديد.

عادت نور من جديد للموسيقى وهذه المرة عبر بوابة مدرب الموسيقى سمير البيك الذي أُعجب بصوتها وطريقة عزفها من أول مرة، ونصحها بتطوير نفسها وشجعها على العودة من جديد للعزف والغناء.

ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى الثانية، اتجهت نور للتأليف، فألفت الكثير من الأغاني الوطنية، لحن لها الأستاذ البيك ثلاثا منها هي “يلا نغني يلا نحب” و “احنا الشعب اللي ما بيركع” و “يلا نشبك إيد بإيد”، غناهم البيك بنفسه في المخيمات الفلسطينية، لكن التلفزيون والإذاعة لم تهتم بها، ولم تسلط الضوء عليها.

بعد عامين من بداية الانتفاضة اتجهت نور للتلحين، وكانت تعرض أعمالها وألحانها على القصبغلي والبيك، اللذان شجعاها حتى باتت تعزف على آلات موسيقية كثيرة منها: الأورج، والناي، والأكورديون، والدرامز، والطبلة، والماندولا.

ولا يروق الغناء الشعبي لنور التي اعتادت على سماع الموشحات الأندلسية، حتى أنها تصفه بأنه فن هابط ولا يرقى لأن يسمعه ذوو الأذواق. ومن الطرب الأصيل تعشق أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، وفريد الأطرش وأغنيتها المفضلة “نجوم الليل”، ومن الجيل الذي يليه تميل بشدة إلى عزيزة جلال، كما تداوم على السماع لمارسيل خليفة، وفرقة العاشقين، وفرقة العودة، وتفضل لهم:

ياطير يا رايح علـــى فلسطين

سلم علـــى الكروم والبساتين

وخبر العنبر مـــع الياسمين

وقلهم يا طير إحنـــا راجعين

 

يــا طير ميل علــى ديرتنا

على أرضنا الخضرة اللي ربتنا

علــى بيرنا وعلــى بيارتنا

من خيرهم يـا طير كنا عايشين

 

وتميل نور للأغنيات الوطنية أكثر منها للعاطفية، لكنها لا تمانع الكتابة وغناء أي لون، بسبب اختلاف أذواق الناس.

قدوتها أساتذتها أبو علي القصبغلي، وسمير البيك، ومحمد الغف، والفنانين وديع الصافي ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، ولم تنس شركائها في المحنة الفنان سيد مكاوي، والموسيقار العالمي عمار الشريعي .

شاركت بارود في مناسبات كثيرة على رأسها مناسبات ووقفات تضامن مع الأسرى الفلسطينيين منها حفل تكريم الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال ضمن صفقة تبادل الأسرى، الذي نظمته الجمعية الفلسطينية لحماية الثراث، وخصت الأسرى المبعدين إلى غزة بكلمات، حاولت من خلالها مشاركة الأسرى معاناتهم تارة، ورفع روحهم المعنوية تارة أخرى، فقالت لهم

لا تقلقــوا لا تحزنــوا لا تتألمــوا

مـــادام الله معكم فكــل شيء يهون

ستعودوا إلــى دياركم والأهل والأحباب

وتعانقوا أشجار الصنوبر وأشجار الزيتون

 

نور الأمل لم تزر أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، ولم يأخذ أحد بيدها للدخول إلى معترك الحياة المدنية، على الرغم من تأليفها أغاني عن حقوق الإنسان، تصف فيها الظلم الواقع على رفاقها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولم تستلم نور ولم تجلس في البيت تاركةً الحياة التي لم تعطها ما أرادت خلفها، فقد استأجرت بيتًا في مدينة غزة، وتطوعت للعمل في مركز النور، فصارت تمد الأطفال المعاقين بصريًا بالأمل، وتعلمهم العزف على الآلات الموسيقية، والغناء، كما أنها ما زالت تحلم بالسفر للخارج لتشارك في حفلات يحضرها حشد كبير من الجماهير، فتتحقق بذلك أحلامها في الشهرة.